Logo
تابعونا على

الموريتانيون والسينما.. خصومة مستحكمة

"مشاعر أخرى".. عنوان أول تجربة لفتاة موريتانية في الإخراج والتمثيل، حققت نجاحا كبيرا وعرضت في مهرجانات سينمائية عربية وأفريقية عديدة، لكن هذه النجاحات لم تُنس المخرجة "لالة كابر" مرارات المعاناة التي عاشتها عندما أقدمت على التمثيل واشتغلت بالسينما.

ضغوط الأسرة والمحيط القريب كانت كبيرة -وفقا لما روته للجزيرة نت- و"كانت المعاناة شديدة، فاتهمني البعض بالخروج على الأعراف والتقاليد، وكتب البعض في المواقع الإلكترونية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي أن الفيلم يخدش الحياء، ويمس قيم المجتمع".

معاناة صاحبة "مشاعر أخرى" نموذج لمعاناة كل المنشغلين بالسينما، تمثيلا وإخراجا، وكتابة وإنتاجا، في ظل خصومة مستحكمة بين الموريتانيين والسينما، أدت إلى غياب أي وجود لكل ما له علاقة بالفن السابع في هذا البلد.

جملة عوائق

الخصومة المستحكمة بين الاثنين أدت إلى اختفاء دور العرض، وانعدام كليات أو معاهد لدراسة الفنون السينمائية، ومن ثم غياب أي اهتمام شعبي أو حكومي بهذا الفن وبكل ما له صلة به، مما خلق صعوبات لا حصر لها ما تزال تعيق المحاولات المبذولة للنهوض بقطاع السينما.

ويعدد رئيس اتحاد السينمائيين الموريتانيين سالم دندو جملة من العوائق، أبرزها غياب التكوين (الدراسة)، والبنى التحتية الضرورية مثل قاعات العرض، وأستوديوهات التصوير، فضلا عن انعدام أي دعم مادي أو معنوي للمهتمين بالسينما.

ويضيف في حديث للجزيرة نت أن أكبر المعوقات اليوم تتمثل في غياب الكليات والمعاهد اللازمة لتكوين الشباب الموريتاني في مجالات التمثيل والإخراج والتصوير، فضلا عن غياب بيئة اقتصادية داعمة.

ورغم إقراره بصعوبة النهوض بالسينما في موريتانيا، فإنه يعتبر تجربة دار السينمائيين الموريتانيين مشجعة، حيث مكنت من تكوين جيل من الشباب على أبجديات التصوير والإخراج والتمثيل، وخلقت وعيا في أوساط الشباب بأهمية الصورة.

وتشاطر المخرجة لالة كابر دندو رأيه بشأن المعوقات، إلا أنها تعتبر أن المعوق الأكبر يبقى اجتماعيا "إذ ما تزال الأسر الموريتانية ترى في السينما رمزا لانحلال الأخلاق، وترى العمل فيها مشينا وخروجا على التقاليد المحمودة، خاصة حين يتعلق الأمر بالفتاة".

موقف "سوسيوثقافي"

وتبدي لالة استغرابها من هذه النظرة، وتكشف ازدواجية موقف مجتمعها من السينما، "ففي الوقت الذي يرفضها وينعتها بأسوأ النعوت، يقبل على مشاهدة المسلسلات المدبلجة المكسيكية والبرازيلية والتركية، وتتسمر الأسرة بكل أفرادها أمام التلفزيون لمشاهدة هذه المسلسلات، رغم أنها تحوي مشاهد فيها الكثير مما يقال، ومضامينها لا علاقة لها بواقعنا ولا مشاكلنا".

ورغم تعدد العوائق، فإن الإجماع يكاد ينعقد على أن الموقف "السوسيوثقافي" من السينما يظل الأكثر حضورا وتأثيرا، ويرى الباحث الاجتماعي سيدي ولد بيادة أن المجتمع الموريتاني كوّن صورة نمطية عن السينما باعتبارها وافدا غريبا يحمل قيما تناقض قيمه.

ويقول ولد بيادة للجزيرة نت إن السينما دخلت إلى البلاد بقرار سياسي لا برغبة مجتمعية، لتكمل المشهد العام للدولة الناشئة، باعتبار أن الدولة لتكتمل صورتها لا بد أن تكون لها سينما كما لها إذاعة، ومتحف، وملاعب وغير ذلك.

ويضيف أن المحتوى المعرفي لهذا الوافد أوجد تحفظا اجتماعيا أخلاقيا ودينيا، فاستبطن المجتمع نظرة معادية للسينما، لم يستطع المحتوى المحلي الذي ظهر في ما بعد "أن يمحوها نظرا لمحدودية انتشاره، وزاد من حدة هذا الواقع موقف ديني من الصورة باعتبارها محاولة لمحاكاة خلق الله".

ويلاحظ ولد بيادة أن هذه الصورة المستبطنة بدأت تهتز بفعل الوعي بثقافة الصورة وجهود المنشغلين بالسينما خاصة دار السينمائيين الموريتانيين.

ويضيف أن هناك بوادر مشجعة من الحكومة، عبرت عن نفسها في تبني المؤسسة الرسمية فيلم "تيمبكتو" الذي أخرجه مستشار برئاسة الجمهورية، وحضور رئيس الجمهورية نفسه العرض الأول للفيلم في البلاد.

أحمد الأمين

المصدر : الجزيرة

تاريخ النشر : 28‏/10‏/2014